شعر الفلسفة والحكمة
كان لشيوع الفلسفة في العصر العباسي أثره الواضح في الشعر ، إذ انعكست آثار هذا العلم في الشعر العباسي من نواحي: المعاني والأفكار والصور الفنية والأساليب .ومن أشهر الشعراء هنا :أبو تمام وأبو العلاء المعري .
وفي أواخر العصر العباسي ضعفت الخلافة العباسية، و غاب سلطان العرب ،وسيطر العجم على مقاليد الحكم ، ظهرت الأمراض الاجتماعية ، مثل: النفاق، والجبن ،والحسد، فكثرشعر الحكمة ويمثل شعر الحكمة أبو الطيب المتنبي .
أبو تمام
هو حبيب بن أوس الطائي. ولد في قرية جاسم بين دمشق وطبرية سنة 188هجرياً، سن ونشأ في أسرة ميسورة الحال. تردد على مساجد دمشق واستمع إلى العلماء. انتقل أبو تمام إلى مصر وتردد على جامع عمرو بن العاص، ثم عاد إلى الشام ،ومن ثم إلى العراق حيث اتصل بالخليفه المعتصم ،فمدحه ومدح وزراءه وقادته بقصائد كثيرة، و اصبح شاعر الخلافة العباسية في زمنه . توفي سنة231 هجرياً,
خصائص شعر أبي تمام :
1- الميل إلى العمق و ابتكار المعاني والصور الجديدة؛ ما يحتاج إلى إعمال العقل والفكر ومن ذلك قوله في وصف الجو في الربيع :
مطر يضرب الصحو منه وبعده صحو يكاد من الغضارة يمطر
غيثان فالأنواء غيث ظاهر لك وجهه و الصحو غيث مضمر
وندى إذا ادهنت به لمم الثرى خلت السحاب أتاه وهو معذر
2- استخدام الأدلة المنطقية والبراهين العقلية، كما في قوله لمن عذلته على ضيق ذات اليد:
لا تنكري عطل الكريم من الغنى فالسيل حرب للمكان العالي
3- استخدام ألفاظ الفلاسفة والمتكلمين،يقول:
لن ينال العلى خصوصاً من الفت يان من لم يكن نداه عموما
4- الإكثار من ضروب البديع من جناس وطباق ومقابلة وموازنة، كما في قوله مادحاً الخليفه المعتصم وواصفاً يوم عمورية:
غادرت فيها بهيم الليل وهو ضحى يشله وسطها صبح من اللهب
حتى كأن جلابيب الدجى رغبت عن لونها وكأن الشمس لم تغب
ضوء من النار والظلماء عاكفة وظلمة من دخان في ضحى شحب
أبو العلاء المعري
هو أحمد بن عبد الله التنوخي المعري. شاعر وأديب ،في ولد في معرة النعمان عام 363 هجرياً. كان أبوه من أفاضل العلماء وجده قاضياً بالمعرة. فقد بصره في الرابعة من العمر ، فنشأ ضريراً، لكن ذلك لم يثنه عن طلب العلم وتحصيل الشهرة ، فدرس علوم اللغه والأدب والحديث والتفسير والفقه والشعر ، وكان عالماً بالأديان والمذاهب وعقائد الفرق والتاريخ والأخبار .جاء نعي أمه وهو في بغداد ،فعاد إلى المعرة واحتبس في بيته فلقب (رهين المحبسين )أي محبس العمى ومحبس البيت .توفي عام 449 هجرياً.
ترك أبو العلاء المعري سبعين مؤلفاً بين نثر وشعر منها: رسالة الغفران، ورسائل أبي العلاء، ورسالة الملائكة و شرح ديوان البحتري (عبث الوليد)، وشرح ديوان أبي تمام (ذكرى حبيب ).
شعره:
1- سقط الزند وهو ديوان شعر نظمه في صباه .
2- اللزوميات أو لزوم مالا يلزم حيث ألزم المعري نفسه مالايلزم في الشعر من اعتماد الحرفين الأخيرين روياً مثل قوله:
تعد ذنوبي عند قوم كثيرة ولاذنب لي إلا العلا والفضائل
وإني وإن كنتالأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل
خصائص شعرأبي العلاء
1- تمجيد العقل والإعلاء من شأنه كقوله:
كذب الظن لاإمام سوى ال عقل مشيراًفي صبحه والمساء
فإذا ما أطعته جلب ال رحمة عند المسير والإرساء
2- غلبة الفلسفة التشاؤمية فاعتزل الناس و حرم على نفسه الطيبات ،كقوله :
اجتنب الناس وعش واحداً لا تظلم القوم ولا تظلم
3-نقد الحياة الاجتماعية السائدة في عصره من الجهل والغفلة والتقليد ، كمافي قوله:
قد صدق الناس ما الألباب تبطله حتى لظنوا عجوز اًتحلب القمر ا
أناقة هو أم شاة فيمنحها عساً تغيث به الأضياف أو غمرا؟
أبو الطيب المتنبي
أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي الكندي. ولد في الكوفة سنه 303 هجرياً .ظهرت عليه علامات النبوغ المبكر حتى قيل بأنه نظم الشعر وهو لم يتجاوز العاشرة، رحل مع والده إلى بادية السماوة في الثانية عشرة من عمره، وأقام فيها سنتين اكتسب فيهما اللغة السليمة الفصيحة من أفواه الأعراب، و الفروسية والشجاعة، ثم عاد إلى الكوفة وأخذ يدرس الشعر العربي ولا سيما شعر أبي تمام والبحتري .
اتصل بسيف الدولة الحمداني في حلب إعجاباًبه، فسيف الدولة يمثل سلطان العرب في وقت سيطر فيها العجم على الحكم في الدولة .مكث في بلاط سيف الدولة تسع سنوات قال فيها أجمل قصائده ثم بدأ الحساد والوشاة يكيدون له فتأثر سيف الدولة بكلامهم وأخذ يعرض عن شعر المتنبي ، ورحل إلى مصر واتصل بكافور الإخشيدي ومدحه بقصائد كثيرة ثم رحل عن مصر و توجه إلى العراق وبلاد فارس .وأرسل له سيف الدولة ليعود لكنه رفض ،وفي أثناء عودته إلى الكوفة خرج عليه فاتك الأسدي في نحو 20 من رجاله ودار بينه وبينهم عراك انتهى بمقتل المتنبي سنه 354 هجرياً.
صفات المتنبي
1- الكبرياء والاعتداد بالنفس .
2- الطموح إلى المجد .
الانحياز للعرب .
مظاهر الحكمة في شعر المتنبي :
1- كان المتنبي منذ صغره طموحاً لا يرضى إلا بالمعالي فكان دائما يلهج بالمجد والسؤدد ويدعو إلى السعي إليهما فهو القائل :
ومن يبغ ما أبغي من المجد والعلا تساوى المحايي عنده والمقاتل
2- طريق الطموح والأمجاد ليس مفروشاً بالورد، بل يحتاج إلى التميز والاستعداد للتعب والجد والبذل والمعاناة والسهر ،فلا يكون بالأماني والأقوال.وذلك كما في قوله :
لولا المشقه ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال
لا يدرك المجد إلا سيد فطن لما يشق على السادات فعال
3- في المقابل يدعو المتنبي إلى رفض حياة الذل والهوان والخوف، ويفضل الموت بعزة ، يقول :
ذل من يغبط الذليل بعيش رب عيش أخف منه الحمام
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
4- يرى المتنبي المال وسيلة لتحقيق الطموح وأسباب العزة والمجد وليس غاية في حد ذاته وقد يكون الكلام الطيب أفضل من المال ، يقول المتنبي :
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
وما شكرت لأن المال فرحني سيان عندي إكثار وإقلال
5- يرى أيضا أن أفضل ما يكسبه الإنسان في حياته صديق مخلص يركن إليه ،يقول:
شر البلاد مكان لا صديق به وشر ما يكسب الإنسان ما يصم
6- ولا تخلو الحياة من الفساد والوشاة والنمامين الذين يسعون لتعكير صفو العلاقات بين الأصدقاء ،يقول:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل