يظهر موقف الإسلام من الفن في العديد من النّصوص الشرعية منها ما يأتي:

قول الله تعالى: { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ  } دلت الآية الكريمة على أنّ الله تعالى أبدع هذا الكون بدقة وتناسق تام،

وقول الله تعالى:{ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }  حيث دلت الآية الكريمة على إبداعه سبحانه وتعالى خلق الإنسان في أحسن صورة.

ولقد دعا الله تعالى الإنسان إلى تذوق صور الجمال المبثوثة في نفسه وفي الكون، قال الله تعالى: { أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ }

كما دعا الإسلام إلى تذوق الجمال والعناية به قال تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} 

وقال ﷺ :" إن الله جميل يحب الجمال ".

أولا: مفهوم الفن في الإسلام

هو التعبير الجميل عن الإحساس بالحقائق والأحداث عن طريق وسائل مادية أو معنوية وفق التصور الإسلامي لهذا الوجود.

ثانيا : مجالات الفن ونماذجها في الإسلام

يشمل الفن الإسلامي مجالات كثيرة منها: (الفن التشكيلي، الفن الصوتي، والفن الحركي)، وفيما يلي تفصيل ذلك:

1 - الفن التشكيلي

وهو التعبير عن  الأفكار والمشاعر عن طريق إعادة صياغة الواقع بصور جديد.

 مثل الرسم، والخط، والنحت، وفن العمارة، والتصميم، وغيرها.

ومن أبرز الأمثلة على هذا المجال:

1 - الخط العربي.

اهتم المسلمون بالخط وتحسينه، ويرجع هذا الاهتمام لارتباط حياتهم بالقرآن الكريم الذي تعلقت أفئدتهم به.

فظهرت أنواع كثيرة للخط العربي، كان أولها الخط الكوفي، الذي كتبت به المصاحف في القرون الأولى لما يتميز به: 

- من قوة وثبات تتفق مع جمال القرآن الكريم وجلاله.

- ثم اتخذت حروفه عنصرا من عناصر الزخرفة.

2 - العمارة الإسلامية،

هي الخصائص العامة للبناء والتعمير التي تميز بها المسلمون عن غيرهم.وفيما يلي أهم ما ميّز العمارة الإسلامية:

- وظف فيها المعماريون المسلمون ما درسوه من علوم الرياضيات والهندسة التي استخدمت في بناء الصروح العظيمة عند اليونان والرومان.

- وأضافوا تصاميم جديدة ميزت العمارة الإسلامية، كالقباب والأقواس، والمآذن.

- ولا تزال المساجد إلى يومنا هذا تمثل نمطا من أنماط العمارة الإسلامية المتميزة.

- ومن أهم المعالم المعمارية الإسلامية في العالم:

• قبة الصخرة المشرفة.
•  والمسجد الأموي في دمشق.
•  والجامع الأزهر في القاهرة.
•  ومسجد الزيتونة في تونس، وغيرها كثير.

٢- الفن الصوتي

وهذا المجال من الفن: يختص بالتعبير عن الأفكار والمشاعر بالصوت المؤثر في نفس السامع، فيستشعر القيم الجمالية لما يسمعه، ويدرك الرسالة المتضمنة في العمل الفني.

 مثل الأناشيد والشعر، والخطابة، والصوت الجميل في قراءة القرآن الكريم وتجويده، ومن ذلك:

أ – التغني في قراءة القرآن الكريم وتجويده،

فجمال الصوت وتحسينه بقراءة القرآن الكريم والخشوع فيه:

- جمال فني، يؤثر في نفس السامع ويحرك مشاعره.

- فيتدبر معاني القرآن الكريم، ويمتثل لما ورد فيه من أحكام شرعية.

- ويقبل عليه تلاوة وحفظا.

- فقد فطر الله تعالى القلوب على حب الاستماع إلى الصوت الحسن، ولذلك كان رسول الله ﷺ يحب سماع القرآن الكريم من صحابته:

فأثنى على أبي موسى الأشعري عندما سمعه يقرأ القرآن الكريم وكان ذا صوت حسن، فقال له ﷺ: "لو رأيتني وأنا أسمع قراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود " والمراد بالمزمار هنا الصوت الحسن.

وقد دعا ﷺ إلى التغني بالقرآن الكريم فقال: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن ".

والتغني تحسين الصوت وتجميله في تلاوة القرآن الكريم.

 ب- الخطابة،

وتهدف إلى التأثير وإثارة العواطف في نفس السامع؛ ليستجيب لمضمون الرسالة بتقبلها والالتزام بها.

ومن أمثلة خطب النبي ﷺ: 

- خطبته المعروفة عند جبل الصفا عندما بدأ دعوته الجهرية، فقد تميز ﷺ بفصاحته وبلاغته.

- ومن الخطب المشهورة له ﷺ أيضا خطبة الوداع.

وكذلك تميز الخلفاء الراشدون من بعده بالخطابة.

ولا تزال خطبة الجمعة شعيرة من شعائر الإسلام التي تؤكد أهمية الكلمة ورسالتها.

ج- الأناشيد والأهازيج والحداء،

دعا الإسلام إلى تحقيق القيم الإسلامية السامية بالوسائل المشروعة:

كالكلمة الطيبة، والصوت الجميل الذي يظهر في النشيد والأهازيج التي تحمل تلك القيم؛ بهدف غرسها في نفوس الناس وحياتهم.

فقد ثبت عن عائشة رضي عنها "أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان، والنبي ﷺ متغش بثوبه، فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي ﷺ عن وجهه فقال : "دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد ".

3-الفن الحركي

ويعني إضافة عنصر الحركة إلى المنتج الفني،  مثل:

- أفلام الصور المتحركة.

- ومسرح الدمى، وغيرها.

- ويتصل بذلك ما يمكن أن ينتج من الأفلام والمسرحيات التي تجسد القيم الإيمانية الملتزمة بالضوابط الشرعية.

ثالثا: ضوابط الفن في الإسلام

وضع الإسلام للفن ضوابط منها:

1- ألا يناقض عقيدة التوحيد

فيتجرد من الوثنيات والخرافات والأوهام والأساطير، كتصوير الذات الإلهية، وصور الأنبياء عليهم السلام، والقصص التي تحاك حول الآلهة وغيرها. 

2- أن يخلو من المحرمات والممنوعات.

مثل تصوير العورات أو وصفها أو إثارة الشهوات وغيرها.

 3- أن يرتبط بهدف نبيل ورسالة إنسانية سامية.

تنأى به عن العبثية والعشوائية.

رابعا: دور الفن في حياة الإنسان

الفن رسالة إذا انضبطت بضوابطها الشرعية وذلك لأنّه:

- يحقق الخير للإنسان، فهو يسهم في صياغة الشخصية الإنسانية صياغة إيجابية تحقق لها الانسجام مع قيم الاعتدال والتوازن.

- ويحقق حسن التواصل مع الآخرين عن طريق:

•  التعبير عن الموضوعات التي تهم المجتمع كالسياسة والاجتماع والاقتصاد وغيرها
• بطريقة تجلب الانتباه وتوقظ الإحساس، ولا سيما الإحساس بالجمال.

- وينمي الإبداع والتميز لدى الفرد أيضا.

- ويزيد حرص الأمم على توصيل قيمها ومبادئها عبر الفن.

وهذا ما يدعونا اليوم إلى استثمار الفن وأدواته في تعزيز قيمنا ومبادئنا.