يطلق شعر المهجر على الشعر الذي نظمه الشعراء العرب الذين هاجروا من بلاد الشام إلى أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية في أواخر القرن التاسع عشر، وكوّنوا روابط أدبية وأصدروا صحفا ومجلات أدبية تهتم بشؤونهم.
وقد تأثر العالم العربي بظروف سياسية واجتماعية واقتصادية أُشير إليها في فاتحة هذا العصر ،كما شهدت بعض البلاد العربية فتنًا داخلية، وحروبا أهلية أدّت إلى هجرة بعض العائلات العربية إلى الأمريكيتين، وهناك نشطت الجاليات العربية في الحفاظ على هويتها ولغتها؛ فأسست روابط أدبية، وأصدرت مجلات ثقافية، ومثّل شعراء المهجر الرومانسية العربية خارج الوطن. وقد ظهر النشاط الأدبي لشعراء المهجر في رابطتين أدبيتين هما:
١- الرابطة القلمية في المهجر الشمالي: أُسست في نيويورك سنة (1920م)، وترأسها جبران خليل جبران صاحب ديوان «المواكب». ومن روّادها وبعض دواوينهم: إيليا أبو ماضي «الجداول»، وميخائيل نعَيمة «همس الجفون»، ونَسيب عَريضَة «الأرواح الحائرة» وغيرهم. وقد برزت لدى شعراء هذه الرابطة عناصر التجديد في الرؤية واللغة والإيقاع بروزًا واضحا، الأمر الذي كان له صداه الواسع في تطوّر حركة الشعر العربي الحديث في المهجر والعالم العربي على حدٍّ سواء .
٢- العصبة الأندلسية في المهجر الجنوبي: أُسست في البرازيل سنة (1932م)، وترأسها الشاعر القروّي رشيد خوري صاحب ديوان «لكل زهرة عبير»، ومن روّادها: فوزي المعلوف، وإلياس فرحات وغيرهما.
وقد عاش شعراء المهجر أجواء الحرية والانفتاح في البلاد الجديدة، واختلطوا بالسكان الأصليين، وتأثروا بالأدب الأمريكي، واكتووا بنار الغربة والبعد عن الأهل والأوطان؛ فجاء شعرهم سلسا رقيقا صادقا، ولغتهم سهلة واضحة، ومالوا إلى التجديد في الشعر.
١- الحنين إلى الوطن: عبّر شعراء المهجر عمّا يختلج في نفوسهم من حنين وشوق إلى أوطانهم، وحسرتهم على فراق أهلهم بمشاعر صادقة وألفاظ بسيطة رقيقة، يقول رشيد أيوب مشتاقا إلى أهله:
وإذا ما ذَكرْتُ الأهلَ فيه فإننَّي لدى ذكرِهم أَسْتَمْطِرُ الدَّمْعَ مُنْصبّا
أُعَلَّلُ نَفْسي إنْ يَئِسْتُ بــعـودَةٍ ولـــكــــنَّــــــهــا الأيـّـــامُ تــَـــــــــبّا لــهــا تـَــبّـا
٢- التّفاؤل والأمل: دعا شعراء المهجر إلى التفاؤل والنظر إلى الحياة بإيجابية، فالإنسان ينغِّصُ عيشه بيده، فإذا كانت نفسه جميلة يرى الحياة جميلة بهيجة، وإذا كانت نفسه مريضة يرى الحياة ثقيلة، يقول ميخائيل نعيمة داعيًا إلى التفاؤل والأمل بكل ما هو جميل:
إذا سمـــاؤكَ يـومـا تـَحَـجَّـبـَتْ بـالـغــيــومْ
أَغْمِضْ جُفونَكَ تُبْصِرْ خَلْفَ الغيومِ نـجــــومْ
وَالأرْضُ حَـولَكَ إمّـا تـَوَشَّحَتْ بالـثُّــــلـــوجْ
أَغْمِضْ جُفونَكَ تُبْــصِرْ تحتَ الثُّــلوجِ مُروجْ
٣- التســامح والتعايــش: عاش العــرب في المهجر حياة تقوم على التعايـش، والاحترام المتبادل، والتسامح ونبذ التعصّب، فنجدهـم يشاركون بعضهم بعضا في مناسباتهــم، يقول إلياس فرحات مفتخرا بالإسلام وممجدا هذا الدين العظيم:
سلامٌ على الإسلام أيـــامَ مجـــدهِ طَويلٌ عريضٌ يَعْمُرُ الأرْضَ والسَّمـا
نما فــنَـــــــمَتْ في ظلّـــهِ خيــرُ أمـــةٍ أعــــــدَّتْ لنصْرِ الحقِّ سيْفًا وَمِرْقَمــــا
فكَانتْ لها الدُّنيا وكانَ لها الــعُلى وكــــــــــان بَنوها في الـــدَّيـاجيـرِ أنْجُمـــا
ويقول رشيد سليم الخوري في ذكرى المولد النبوّي:
عـــــــــيدُ البريَّةِ عيدُ المَوْلِـدِ النَّبـــــوي في المَشْـرِقَيـْنِ لَــــهُ والمَغْرِبَيْنِ دَوي
عيدُ النَّبِيِّ ابْنِ عَبْـدِاللهِ مَنْ طلعَتْ شَمْسُ الهِـدايـَـةِ مِنْ قُرآنـِهِ الـعُـلُوي
فَــــــــإن ذكـرتُم رَسـولَ اللهِ تَـكْـرُمَــــةً فَــــبَــــــلِّـغـوهُ سـلامَ الـشّـاعــرِ الـقـروي
٤- النزعة الإنسانية: رأى شعراء المهجر أن الشعر تعبير عن موقف إنساني، وله رسالة سامية ينقلها الشاعر إلى الناس بلغة سهلة واضحة، تدعو إلى القيم العليا: الحق والخير والجمال والحرية والعدل والحب، ويهتف نسيب عريضة في قصيدته (يا أخي) داعيا إلى الحق والتعاون وإيقاد شعلة الأمل ومقابلة الإساءة بالمعروف:
فَلْنَسِرْ أعزلينِ إلا مِنَ الـحـقِّ سلاحا والفِكْـــــرُ حادٍ وقــــائـــــــــــدْ
وإذا اشتدّت الذئــابُ عـواءً فَلْنُقابِلْ عواءهــا بالنَّــــشائـــــــــدْ
وإذا احْـلَـوْلَكَ الظَّـلامُ أَضَأْنا مِشْعَل القلبِ مِثْلَ نارِ المواقدْ
وقد كرهوا القيم السلبية كالظلم والأنانية والبخل والشر، ووظفوا الرمز للتعبير عن القيم السلبية كما في قصيدة (التينة الحمقاء) لإيليا أبي ماضي رمزا للإنسان الأناني الذي يبخل بخيره على الناس، يقول:
وظـــلَّـــــــت التــــيـــــــنـةُ الحَـمْقاءُ عــــــــارِيةً كـــــــأنـهـا وتـــدٌ في الأْرض أو حَـجـرُ
ولمْ يُـــطِـــــــقْ صـاحبُ البُســتانِ رؤيتها فاجتثَّها فهـوت في النـارِ تسـتعرُ
مَنْ لَيْسَ يَسْخو بِما تسخو الحياةُ به فـــــإنَّـــــــــهُ أحْـــمَـــقٌ بالحـــرْصِ ينتحرُ
٥- الاتجاه إلى الطبيعة: اتّجه شعراء المهجر - شأن شعراء الرومانسية - إلى الطبيعة يتأملونها، ويندمجون فيها، ويضفون عليها الحياة حتى جسَّدوها وجعلوها تشاركهم همومهم، ومالوا إلى التشخيص والتجسيم والنظرة التأملية، يقول ميخائيل نعيمة في قصيدة (النهر المتجمد) مخاطبًا نهرًا متجمّدًا، ويرى فيه رمزًا لقلبه الذي جمدت أمانيه، ويلحظ تحرر الشاعر من القافية الموحدة:
يا نْهرُ هلْ نَضَبَتْ مياهُكَ فانْقَطَعْتَ عن الخريـر؟
أم قـدْ هَرِمْتَ وخَارَ عزمُكَ فانثنيْتَ عن المسير؟
بِالأمـسِ كُـنـْتَ مُرَنِّمًا بَيْنَ الـحـدائـِقِ والـزُّهــورْ
تَتْلو عَـلى الدُّنـيـا ومـا فـيـهـا أحـاديـث الـدُّهـورْ
بِالأمْسِ كُنْتَ تسيرُ لا تخشى الموانعَ في الطَّريْق
واليومَ قـدْ هبَطَتْ عليْكَ سكينةُ اللَّحـدِ الـعَـمـيْق
قدْ كانَ لي يا نَـهْرُ قلْبٌ ضــاحِـكٌ مِثْلَ الــمُــروج
حُرٌّ كقلـبــكَ فيـــه أهْــــواءٌ وآمـــــالٌ تَـمــــــوجْ
يا نـهْــرُ! ذا قلبــي أراهُ كـــمــا أراكَ مُــكَـبَّــــــــلا
والـفَـرْقُ أنَّــك سَــوْفَ تَنْشطُ منْ عِقَالِك، وَهْوَ لا
٦- الدعوة إلى القومية العربية، فهذه القومية تمجد اللسان العربي وتنادي بإقامة الدولة العربية التي تؤمن بالتراث العربي الخالد، والمصير المشترك. يقول الشاعر أبو الفضل الوليد داعيًا إلى الوحدة العربية:
فَأعْظِمْ وأَكْرِمْ باتِّحادٍ ونِسْبةٍ إلى دولةٍ تَمْتَدُّ في الشَّرْقِ والغرْبِ
ومـا هـِيَ إلّا أمَّــةٌ عـربِـيــةٌ دمًا ولسانًا لَيْسَ تُفْصَـــلُ بِالتـُّرْبِ
١- يوظّف الرمز للتعبير عن بعض المعاني التأملية والإنسانية، فقد رأى إيليا أبو ماضي في التينة الحمقاء رمزا للإنسان الأناني .
٢-يميل إلى التجديد في الموضوعات والتركيز على القيم الإنسانية كالتسامح والتعايش والتعاون، وتجلّى ذلك في شعر إلياس فرحات ورشيد الخوري .
٣- ينظم على الأوزان القصيرة والمجزوءة، ويشيع فيه التحرر من القافية الموحدة، كما في قصيدة (النهر المتجمد) لميخائيل نعيمة.