الفصل الأول : الأحلاف العسكرية
تعد التحالفات والتكتلات سمة من سمات التاريخ المعاصر، وتهدف إلى تعاون الدول لتحقيق مصالح مشتركة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتعد الأحالف العسكرية من أقدم صور هذا التعاون. قامت الأحلاف العسكرية بعد الحرب العالمية الثانية على أساس أيدولوجي نتيجة الصراع بين (المعسكر الغربي )الرأسمالي( والمعسكر الشرقي )الاشتراكي، حيث اتبع المعسكران سياسات تهدف إلى استقطاب الدول الأخرى؛ ما أدى إلى انقسام العالم في فترة الحرب الباردة من عام (1947-1991م) إلى قطبين، وإنشاء أحلاف عسكرية بصفتها أدوات للدفاع عن مصالح هذين القطبين.
أولًا : حلف شمال الأطلسي (الناتو) (North Atlantic Treaty Organization (NATO
1- نشأة الحلف :
اشتدت الحرب الباردة وزاد التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية، وأخذ النفوذ السوفييتي يمتد في العالم، ويهدد القارة الأوروبية نفسها؛ حيث بدأت القوات السوفييتية بحصار برلين الغربية (عاصمة ألمانيا الشرقية) منذ حزيران من عام 1948م؛ ما دفع الدول الأوروبية إلى الإسراع في تنظيم الدفاع المشترك بينها لمواجهة التهديدات الأمنية، فاتجهت نحو الولايات المتحدة الأمريكية للبحث في إمكانية الأمن المتبادل، وفي عام 1949م وقعت معاهدة حلف شمال الأطلسي في واشنطن، والذي ضم عند تأسيسه اثنتي عشرة دولة هي(الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، الدنمارك، هولندا، بلجيكا، لوكسمبورغ، أيسلندا، إيطاليا، النرويج، كندا، البرتغال)، واختيرت مدينة بروكسل(عاصمة بلجيكا) مقرًا للحلف، ومن الدول التي انضمت إلى الحلف لاحقًا تركيا واليونان في عام 1952م، وتوالى انضمام عدد من دول أوروبا الشرقية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي حتى أصبح عدد الدول المنضمة للحلف (28)دولة.
** استنتج عوامل قيام حلف شمال الأطلسي. - زيادة التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الأولى. - امتداد النفوذ الروسي إلى العالم وتهديدها أوروبا نفسا؛ حيث بدأت القوات السوفيتية بحصار برلين الغربية (عاصمة ألمانيا الشرقية) منذ حزيران عام 1948م، لذلك اسرعت أوروبا لتنظيم الدفاع المشترك بينها . - مواجهة التهديد الأمني السوفيتي |
- تأمل الخريطة الآتية، ثم أجب عما يليها:
سمي القارات التي امتد إليها حلف شمال الأطلسي.
( أوروبا ، أمريكا الشمالية، آسيا )
2 - أهداف الحلف :
أنشئ حلف شمال الأطلسي لتحقيق عدد من الأهداف من أهمها:
أ - الحفاظ على الأمن الأوروبي، والدفاع عن أية دولة من دول الحلف تتعرض للاعتداء.
ب - الحد من التوسع السوفييتي.
ج - التوسع في نفوذ الحلف ليشمل دول أوروبا الشرقية.
د - التعاون بين الدول الأعضاء في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية جميعها.
3 - أجهزة الحلف
يتكون الحلف من مؤسستين هما:
أ - المؤسسة السياسية: تتألف من مجلس الحلف، وهو السلطة العليا فيه، ويتكون من وزراء الخارجية والمالية في الدول الأعضاء، ويرأسه السكرتير العام للحلف، ويتبع له عدد من اللجان منها: (لجنة الشؤون السياسية)، و(لجنة التخطيط الدفاعي).
ب - المؤسسة العسكرية: تتألف من جهازين رئيسين هما:
1. اللجنة العسكرية العليا للحلف: مقرها واشنطن، وتعد أعلى سلطة عسكرية للحلف، وتتكون من رؤساء أركان الدول الأعضاء.
2. القيادات العسكرية الثلاث: موزعة في ثلاث مناطق
- هي قيادة الأطلسي في ولاية فرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية،
-وقيادة منطقة القنال الإنجليزي في بريطانيا،
- وقيادة القوات المتحالفة في أوروبا، ومقرها بروكسل، وتتبع لها قيادات عسكرية فرعية موزعة في أنحاء أوروبا.
4. الآثار الدولية والإقليمية لحلف شمال الأطلسي
شكل حلف الناتو قوة عسكرية كان لها دور مؤثر في الصراعات والأزمات الدولية المعاصرة، ومن أبرز هذه الآثار ما يأتي:
أ - حفظ التوازن بين قوى المعسكرين الشرقي والغربي في فترة الحرب الباردة.
ب - الدخول في سباق التسلح؛ ما أرهق اقتصاد القوتين.
ج - إضعاف هيئة الأمم المتحدة بسبب التنافس بين القوى الكبرى؛ ما أدى إلى عدم قدرة المنظمة على تحقيق الأمن والسلم الدوليين.
د - ضرب حركات التحرر في العالم كما حدث مع الثورة الجزائرية، ودعم أعضاء الحلف للعدوان الثلاثي على مصر في عام 1956م.
هـ - دعم الكيان الإسرائيلي لإضعاف المنطقة العربية والسيطرة على مواردها، وضمان بقاء المصالح الغربية في المنطقة العربية.
5 - حلف شمال الأطلسي بعد انتهاء الحرب الباردة
أدى انهيار حلف وارسو في عام 1991م إلى ظهور نظام عالمي جديد يعتمد على القطب الواحد متمثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها قوة تتخذ من حلف الناتو أداة لها. ولإيجاد مبررات جديدة لاستمرارية بقاء الحلف بعد انتهاء الحرب الباردة، عمل الحلف على تغيير أهدافه حيث أُعلِن في قمة بروكسل في عام 1994م عن إطلاق مشروع الشراكة من أجل السلام في إطار السعي إلى تنمية الثقة ودعم التعاون مع دول شرق أوروبا، وفتح الباب لأعضاء جدد للانضمام للحلف.
ومن أبرز التطورات التي مر بها حلف شمال الأطلسي بعد انتهاء الحرب الباردة:
أ - امتداد نشاط الحلف إلى منطقة حلف وارسو السابق، وسعيه إلى ضم العديد من دولة إلى عضويته.
ب- مواجهة تهديدات جديدة تتمثل بخطر انتشار الأسلحة النووية، وتهديدات أمن الطاقة، والإرهاب، والجريمة.
ج - عدم تقييد تحركات الحلف بقرارات من مجلس الأمن، وتجاوز الحدود الجغرافية للحلف لتشمل العالم أجمع.
د- تحول إستراتيجية الحلف بعد أحداث 11 أيلول من عام 2001م في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مبدأ العمل الوقائي الذي يسمح باتخاذ تدابير وقائية استباقية ضد دول أو جماعات معادية، ومن الأمثلة على ذلك
- الحرب على أفغانستان والعراق في عام 2003م،
- والتدخل في ليبيا في عام 2011م،
- ونشر الدرع الصاروخي للحلف في مناطق من العالم كشرق أوروبا والأراضي التركية في عام 2015م.
الدرع الصاروخي الأمريكي: هو نظام حماية يتكون من صواريخ أرضية مستندة إلى نقاط ارتكاز جغرافية قادرة على إسقاط أي صاروخ بالستي عابر للقارات يستهدف الولايات المتحدة الأمريكية أو حلفائها. |
ثانيًا : حلف وارسو
1- نشأة حلف وارسو
ظهر حلف وارسو في عام 1955م بعد عقد اتفاقية تعاون عسكري بين الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية في مدينة وارسو عاصمة بولندا، بهدف مواجهة الكتلة الغربية.
وضم الحلف عند تأسيسه كلاًّ من: الاتحاد السوفييتي، وألبانيا، وبولندا، وتشيكوسلوفاكيا، والمجر، وألمانيا الديمقراطية (الشرقية سابقا)، ورومانيا، وبلغاريا.
ولتعرف دول حلف وارسو انظر إلى الخريطة الآتية، ثم أجب عما يليها:
** سمي الدول الأعضاء في حلف وارسو
الاتحاد السوفييتي، وألبانيا، وبولندا، وتشيكوسلوفاكيا، والمجر، وألمانيا الديمقراطية (الشرقية سابقا)، ورومانيا، وبلغاريا.ا
2 - أهداف الحلف
جاء إنشاء حلف وارسو لتحقيق مجموعة من الأهداف من أهمها:
أ - مواجهة القوة المتزايدة للمعسكر الغربي المتمثلة بحلف شمال الأطلسي.
ب- الدفاع عن الدول الأعضاء، والتعاون بينها في المجالات الاقتصادية والثقافية.
ج- إيجاد قوة عسكرية قادرة على مواجهة حلف شمال الأطلسي.
د- رغبة الاتحاد السوفييتي في إضفاء صفة الشرعية على وجوده في شرق أوروبا.
وقد حدد الميثاق الإطار الجغرافي لمسؤوليات الحلف بالقارة الأوروبية؛ ما حال دون انضمام بعض الدول مثل: (الصين الشعبية) و (كوريا الشمالية) و(فيتنام) و (كوبا) على الرغم من كونها تعد من الدول الشيوعية، في ما لم تنضم يوغسلافيا الشيوعية على الرغم من أنها تقع ضمن الإطار الجغرافي للحلف؛ وذلك بسبب تبنيها موقف الحياد في الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي، واختلاف زعيمها جوزيف تيتو مع الاتحاد السوفييتي.
وقد شُكلت قيادة عسكرية، وقوات تابعة لحلف وارسو إلا أنها لم تستخدم في الأغراض التي وجدت من أجلها وإنما استخدمها الاتحاد السوفييتي أداة لقمع حركات التحرر داخل المعسكر الاشتراكي، كما حدث مع المجر في عام 1956م، وتشيكوسلوفاكيا في عام 1968م،
ونجحت ألبانيا في الانسحاب من الحلف في عام 1968م مستفيدة من عدم وجود حدود مباشرة لها مع دول الحلف.
3 - الآثار الدولية والإقليمية لحلف وارسو
كان لحلف وارسو أثر في حفظ التوازن الدولي، يظهر ذلك من تعاطفه مع بعض القضايا العربية؛ وذلك خدمة لمصالح الحلف نفسه
كوقوفه إلى - جانب مصر في العدوان الثلاثي في عام 1956م،
- وتأييده لبعض الدول العربية - كمصر في مدة حكم الرئيس جمال عبد الناصر،
- وليبيا في مدة حكم الرئيس معمر القذافي،
- وسوريا والعراق والجزائر؛ نظرًا لتبنيها النهج الاشتراكي.
4 -انهيار الحلف
واجه حلف وارسو الكثير من المشكلات أدت إلى انهياره في عام 1991م، ويمكن إيجاز العوامل التي أدت إلى انهياره بما يأتي:
أ - الانخراط في السباق العسكري مع الغرب.
ب - استنزاف موارده المالية، وتراجعه بوصفه قوة اقتصادية وسياسية.
ج - فشل حركة التغيير والإصلاح التي بدأت مع تولي الرئيس الروسي غورباتشوف في عام 1985م، التي هدفت إلى إصلاح البنية الاقتصادية، والتحول التدريجي من سياسة الاقتصاد الموجه إلى إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص.
* وترتب على انهيار حلف وارسو بعض النتائج منها:
أ. إعلان الوحدة الألمانية بعد انهيار جدار برلين في عام 1990م، وانضمامها إلى حلف شمال الأطلسي، لتكون بذلك أول عضو من حلف وارسو ينضم إلى حلف الأطلسي.
ب. إعلان كل من تشيكوسلوفاكيا سابقا والمجر وبولندا وبلغاريا انسحابها من حلف وارسو.
ج. وفي نهاية التسعينيات من القرن الماضي بدأ أعضاء الحلف السابقين ينضمون إلى الحلف الأطلسي، فانضمت في عام 1999م كل من التشيك والمجر وبولندا، في عام 2004م انضمت أستونيا وليتوانيا (جمهوريات سوفييتية سابقة) وبلغاريا ورومانيا وسلوفينيا، وانضمت أيضًا كرواتيا وألبانيا للحلف في عام 2009م.
ثالثًا : روسيا الاتحادية بعد انتهاء الحرب الباردة:
ركزت السياسة الخارجية الروسية - بصفتها دولة كانت تتزعم الاتحاد السوفييتي - بعد انهيار حلف وارسو، وانتهاء الحرب الباردة على قضية
- التوصل إلى أرضية مشتركة للتفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية،
- والانفتاح على الغرب،
- والحد من حدة التوتر على الصعيدين العالمي والإقليمي.
وفي مؤتمر ميونيخ في عام 2007م
- رفض الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) نظام القطبية الواحدة والانفراد الأمريكي بتقرير مصير العالم،
- وأصبحت روسيا تنظر إلى السياسة الأمريكية على أنها مصدر خطر مباشر على مصالحها؛ إذ اعتبرت منظومة ”الدرع الصاروخي“ في عدد من الدول تهديدا للأمن القومي الروسي.
- وأن الوجود العسكري لحلف الناتو في أوروبا الشرقية والخليج العربي وأفغانستان هو بمثابة تطويق شامل للأمن الروسي
لذا تحاول روسيا الاتحادية استعادة بعض مناطق النفوذ التي فقدتها عقب سقوط الاتحاد السوفييتي، ومن ذلك دورها في الأزمة السورية منذ عام 2011م.