التَّعلُّمُ القَبليُّ
الإسلام دين ربانيّ المصدر، قدّم أفضل النُّظم والتشريعات التي اهتمّت بشؤون الحياة في مجالاتها كافّة، فكان شاملاً كاملاً، حيث:
- استوعب تطّور الأحداث المتجددة.
- حقّق مصالح الناس على الرّغم من تغيّر الظروف واختلاف الأزمنة والأمكنة.
الفَهمُ والتَّحليلُ
الإيجابيّة سِمة من سِمات الشّريعة الإسلاميّة وهي سبب لفاعليّة المسلم وسعيه للخير في كل أحواله.
أولاً مفهوم إيجابيّة الشّريعة الإسلاميّة
قدرة الشّريعة الإسلاميّة على جلب النفع وإبعاد الضرر عن الناس، وبث الأمل والتفاؤل في نفوسهم، ودعوتهم إلى التفاعل مع المجتمع، ونشر الخير والنفع للناس جميعًا.
ثانيًا مظاهر الإيجابيّة في الشّريعة الإسلاميّة
أ-إيجابيّة النّظرة إلى الحياة:
- قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) ، [القصص: 77]، يتبين لنا نظرة الشّريعة الإسلاميّة إلى الحياة من خلال الآية الكريمة السابقة وتتمثل فيما يأتي:
- الشعور بالمسؤولية تجاه الحياة الدُّنيا، فهي دار العمل، يعبر بها الإنسان إلى الدار الآخرة.
- الأمر بإعمار الأرض والسعي فيها بالخير والصلاح.
- وفي قوله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)، [الجمعة: 10]، أمرت الشّريعة الإسلاميّة بـ:
- الصلاة والسعي في الأرض طلبًا للرزق.
- دعت إلى الاستمرار في العمل والإنتاج.
ب. إيجابيّة النّظرة إلى النّفس:
- حرصت الشّريعة الإسلاميّة على بثّ الطمأنينة في النفوس بأمرين وهما:
- الدعوة إلى الرضا بقضاء الله تعالى وقدره.
- الحث على حسن الظنّ به سبحانه.
- وذلك ما دل َّ عليه قول الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابُن:11]، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القُدُسيّ: «يقُولُ اللهُ تَعالى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» [متفق عليه].
- وبذلك يطمئن الإنسان ويتحرّر من جميع المخاوف التي قد تواجهه في الحياة، فلا يخاف على رزقه ولا على أجله؛ لأنّ كل أمره بيد الله تعالى مع استمراره في السعي والعمل والإنتاج.
ج. الإيجابيّة في النظر إلى المستقبل:
دعت الشريعة الإسلاميّة إلى:
- الاستبشار والتفاؤل بالخير، وقد قدّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في ذلك، ففي رحلة الطائف وبعد أن لقي من أهلها سوء المعاملة والإيذاء، استبشر متفائلاً بإسلامهم ورفض الدعاء عليهم فقال صلى الله عليه وسلم: «بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللهُ مِن أصْلابِهمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لا يُشْرَكُ به شيئًا» [رواه البخاري ومسلم].
- كما نهت الشّريعة الإسلاميةّ عن اليأس والحزن والاستسلام للأفكار السّلبيةّ التي تؤثر على نفسيةّ الإنسان؛ ودعته إلى الثقة برحمة الله تعالى، قال تعالى: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر: 56].
د. إيجابيّة النّظرة إلى الناس:
- دعت الشّريعة الإسلاميّة إلى إقامة العلاقات الإيجابيّة بين الناس، وأن يحرص المسلم على كل ما فيه نفع للناس ومن ذلك:
- دعوة الناس إلى الخير ونهيهم عن كل ما يُلحِقُ الضرر وينشر الفساد بينهم.
- التناصح والتوادّ والتراحم بين الناس ممّا يُقوي المشاعر الإيجابيّة بينهم ويزيد الترابط بين مكونات المجتمع.
- التّعاون على البرّ والتقوى في المجالات الإنسانيّة والعلميّة وإعمار الكون وتسخيره للإنسان وكل ما فيه الخير للناس جميعًا، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، [المائدة:2]
- إدخال الفرح والسرور على قلوب الناس، فقد عدّت الشّريعة الإسلاميّة ذلك من أحبّ الأعمال إلى الله تعالى، ومن مظاهر ذلك:
- إشاعة الفرح في الأعياد والمناسبات السعيدة؛ كأيام العيدين مثلاً.
- إشهار الزّواج ونحوها، على أن يكون ذلك وِفق الضّوابط الشرعيّة.
- وممّا يدل على ذلك أنّ سيّدنا أبا بكر الصّديق رضي الله عنه دخل على أم المؤمنين السيّدة عائشة رضي الله عنها، فسمع جاريتين عندها تضربان على الدُّف وفي رواية «تُغَنِّيانِ بغِناءٍ »، فانتَهَرَهُما، فكشف سيّدنا رسول الله عن وجهه وقال: «دَعْهُما يا أبَا بَكْرٍ، فإنها أياَّمُ عِيدٍ » [رواه البخاريّ ومسلم].
- وقد حثّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم على التجمل ولبس أحسن الثياب في هذه المناسبات إظهارًا للبهجة، وكان له صلى الله عليه وسلم ثوبان أبيضان يلبسهما في أيام الجمع والأعياد وعند استقبال الوفود.
ثالثًا الإيجابية في الأحكام الشرعية
الإيجابيّة سِمَة لمبادئ الإسلام وأحكامه؛ ومن أمثلة ذلك:
- أنّ الله تعالى لا يحاسب الناس على ما وقع منهم من الأفعال والأقوال دون قصد، قال تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)، [الأحزاب:5]، وقد جاء عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إِنَّ الله تجاوَزَ عَنْ أُمَّتي الخَطأَ والنِّسيانَ ومَا استُكرِهوا عليهِ» [رواه ابن حبان].
- جعل الإسلام القيام بالأعمال التي تدفع المكروه والأذى عن الناس عبادة نؤجر عليها؛ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «وتُميْطُ الأَذَى عَنِ الطَّريقِ صدقةٌ» [رواه البخاري ومسلم].
- فتح الله تعالى باب التوبة للمذنبين، ممّا يبث في نفس الإنسان الأمل بعفو الله وعدم القنوط من رحمته، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). فالمسلم حين يعلم أنّ الله تعالى غفور رحيم فإنّه يسارع إلى طلب التوبة، وهذا ينعكس إيجابيًّا عليه وعلى مجتمعه، فلا يقنط ولا ييأس ولا يصاب بالإحباط في سعيه، بل يصبح عنصرًا إيجابيًّا في مجتمعه. [الزمر:53].
- حذّر الإسلام من التقليد الأعمى دون تفكير ودعا إلى إعمال العقل، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تَكونُوا إمَّعةً، تقولونَ: إنْ أحَسنَ الناس أحسنّا، وإنْ ظلمُوا ظلَمنا، ولَكنْ وطِّنُوا أنْفسَكُم، إنْ أَحسَنَ الناس أن تُحسِنوا، وإن أساءوا فلا تَظلِموا » [رواه الترمذيّ].
و(الإمعة: هو الشخص الذي يُقَلِّدُ الآخرين دون وعي ولا رَأْي).
الإِثراءُ والتَّوسُعُ
مشاركة الإنسان في العمل التطوعي أحد مظاهر الإيجابية ولذلك فقد أطلقت مؤسسة ولي العهد مبادرة تطوعية (منصة نوى) والتي تهدف إلى تفعيل مشاركة الشباب في العمل التطوعي وربط المتبرعين مع الجمعيات والمؤسسات الخيرية إلكترونيًا.